
حينما يتقلص دور الدولة في دور الجلاد وجمع الجبيات، يعلو صوت التمرد والتطرف والعصبية القبلية فالدولة هي الوعاء الجامع للانسان واحتياجاته في الحياة، حين يغيب دور الدولة الاساسي في توفير حقوق كرامة الانسان، بل تتحول الي علاقة عدوانية كما هو الحال اليوم في السودان- يلجاء الانسان الي هيكل مجتمعي بديل للدولة ؛ يوفر له ولأسرته الحماية والرعاية والماؤي ولذلك فان رؤية حزب الامة القومي التي تمهد الي اعادة دور الدولة، باعادة وضع دولة القانون الذي يحمي الانسان والحقوق تعالج كل هذه التحديات.
حقوق الانسان المضمنة في المواثيق الأساسية والمعاهدات الدولية، يتم توفيرها من خلال مؤسسات الدولة التي تتضمن مؤسسات التعليم والتاهيل التاهيل المهني والسكن وخلق فرص العمل والعلاج وغيرها - هذه جزء من أليات الحكم في الدولة التي يحكمها دستور البلاد، والذي يمثل اعلي سلطة في الدولة -وينحصر دورها في ادارة العلاقة بين المواطن والدولة، المبنية علي علاقة جهاز حاكم يوفر الحقوق والحريات ومواطن فاعل يطالب بها ويدعمها من خلال الضرائب والمشاركة المتاحة.
عليه تاتي رؤية حزب الامة القومي علي اعادة بناء و تكوين دور الدولة الغائب علي أسس قومية صحيحة، باصلاح الدولة والوطن-وليس باصلاح حزب المؤتمر الوطني كما يردد بعض الناس- بل بوضع البديل لدولة غائبة غارقة في البلطجة وطلب الجبيات بدولة الحقوق والرعاية والمشاركة والخدما- . وبذلك يعيد صياغة معادلة الانتماء للدولة والهوية الجامعة عوضاً عن التعصب للقبيلة والهوية الاثنية الخاصة.
بناء علي ذلك وعلي الضرورة الماسة لتكوين الدولة المدنية -ما هو الأسلوب الامثل لادارة العلاقة بين الدولة والقبيلة من دون المساس بدور الدولة المدنية، كوعاء شامل وجامع للقبائل، ومن دون اقصاءً للنظام القبلي التقليدي الغير شامل؟
في مقالً سابق كتبت بان الرهان الارجح لاحداث التغيير في الدولة السودانية الحالية يقع علي القوي التقليدية القبلية، من مشايخ ونظار وعمد وشيوخ طرق صوفية- فهم يمتلكون المفتاح للجماهير، المنتظمة حولهم ومعهم.
هذه القوي التقليدية هي الاقدر؛ والانسب اليوم لأثارة وعي المواطن بحقه في الكرامة، وحقه في الدولة التي توفر له الحقوق علي قدم المواطنة. كما انهم قادرون علي ترتيب الصفوف وتعبئة الجماهير لرفع المطالب واحداث التغيير المنشود.
والدليل علي مقدرة القوي التقليدية في النضال السلمي الهادف، نجاح اعتصام المناصير ونجاح نداء حراك شباب البطاحين، ونجاح حراك القرير، وبابنوسة، ودلقو المحس، والاضية، وكسلا.
ولكن اعتبار دور القوي التقليدية دور انتقالي؛ لسد فراغ وجود الدولة اليوم ولسد فراغ عجز المجتمع المدني والقوي السياسية المدنية -المطالبة بالتغيير يعتبر اجحافً لها ولدورها الفعلي في قيادة الدولة حالياً وفي المستقبل.
فلابد من وجود ألية لتقنين دور هذه القوي الفاعلة، والرائدة، في المجتمع والدولة، ومن الارجح ان تقوم بدور- هيكل حكومي فعلي وان لا يُقتصر دورها في دور الحكم الموازي في السودان اليوم بل من خلال مؤسسة حكومية، في مقام مجلس السيادة السوداني- في الحكومات الديمقراطية السابقة، او في مقام مجلس النبلاء (مجلس اللوردات) في الحكومة البريطانية الحالية، ليتسني لها -المشاركة الفعلية في الحكم، وليقع عليها دور حماية القوانين والدولة، من الفساد والتحجر والزوال او غيرها من الأفات التي تعتري القانون والدولة التي تقصر في حماية اغلبية او اقلية في اواسط مجتمعاتها المتنوعة.